علمني أخي

علمنى .. أخى الصغير.

تغيب أخى عن البيت لثلاثة أيام متصلة .. أصابتنا وقتها حالة من القلق الشديد وتلاعبت الظنون برؤوسنا جميعا .. أما أمى فلم يكف لسانها عن الدعوة له بالأمان والحماية وأن يرده الله لبيته .. بينما دموعها لم تفارقها لحظة واحدة حتى عودته .
هذا الطفل الذى أحبه كثيرا .. له من العمر إحدى عشر ربيعا
لكنه ليس طبيعيا على المستوى العقلى تماما
حيث أنعم الله عليه بتأخر بسيط فى الوظائف العقلية ومنها الذاكرة ,, فهو لايستطيع أن يسرد عنوانا واضحا أو حتى مدينة واضحة تدل على مسكنه .. ولا يعرف سوى اسماء الأشخاص .. ولا يستطيع أن يحفظ رقم هاتف .
كانت مشكلة كبيرة ووضع حرج جدا .. ولكن بفضل الله تعالى علينا جميعا فقد عاد سالما والسبب فى عودته هم رجال الجيش الذين أحفظ لهم هذا الأمر – وفقهم الله .
ولكن هذه الموقف لم يمر مرور الكرام .. فلقد تعلمت منه أشياءا كثيرة .
أسرد لكم منها شيئا:

**وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها ...
أين كان هذا الطفل لمدة ثلاثة أيام وكيف كانت العناية الإلهية تتولاه وترعاه .. وكيف كان رزقه يصل إليه بطريقة أو بغيرها ....
فلم أعد أخاف فوات الرزق أبدا أبدا.

** هذا الطفل الجميل لا يعرف شيئا عن الماضى ولا يفهم معنى للمستقبل .. فهولا يعرف من عمره سوى اللحظة الحالية .. فليس فى قاموسه الزمنى سوى كلمة ( الآن ) فقط .
ولذلك عندما رأنى ابتسم وعانقنى بشدة وهو يضحك ويقول ( وحشتنى ) وكأن شيئا لم يكن على الإطلاق ... وكأن هذه الايام الثلاث لم تمرفى حياته أصلا .
لذلك ... هو دائما سعيد .. دائما يحب كل شئ .. لا يحمل آلاما من ماضى ولا قلقا من مستقبل .
ومن هذا أيضا تعلمت .. أن عمرى هو ( الآن ) فقط.

** لقد عاش ثلاثة ايام متصلة فى الشارع ..
بلا سكن .. بلا تليفزيون 70 بوصة .. ولا سيارة بورش .. ولا آى فون ..
ولم يكن لديه ثلاجة تحتوى على خيرات الله بأنواعها .
ولم يكن لديه حجرته الخاصة .. التى تأويه من إزعاج أهله .
لا .. بل لم يكن يجد أم تحضنه .. ولا أخوات يداعبوه .. ولا أحد يحقق له ما يريد
لقد فقد الكثير فى هذه الأيام الثلاثة حقا .................ـ
ولكنه عاش
وكان يفعل ما يريد
ورزقه يصل إليه
بل كان سعيدا جدا .. ومستمتع بكل شئ .
وحينما عاد لأهله ... لم يروى الاحداث المؤلمة التى مرت عليه
إنها لم تعد فى قاموس حياته أصلا .
لقد مارس حياته السعيدة بشكل عادى جدا .. وعادت الفرحة والحياة إلى أجواء البيت .
دعونى أختم حديثى بسر أخبركم به .. حافظوا عليه .
هذا الطفل ( محمد ).. أينما حل .. حل الحب .. وانفجرت السعادة .
ولا يراه أحد ابدا إلا ويحبه بشده .. وبدون أى أسباب .. فهو محبوب جدا جدا
لا أتمنى أن أكون مثله لأحظى بكل هذه السعادة والحب
فنعم التقدير هو تقدير الله
ولكنى حقا أتعلم منه كثيرا
ولى كل الشرف والفخر بأنه أخى .
***************************************
ما أرحمك ربي بعبادك ، رغم عطائك لبعض الناس إمكانيات محدودة (من وجهة نظرنا) فإنك سبحانك لا يُظلم عندك أحدًا ، نراك تفيض عليهم بكثير من النعم والفضائل ،وتجسد لنا ذلك بوضوح في هذه القصة..

وأرى أن هذه القصة جسدت لنا حكمة أنه ( أمر لم تأتي به ولن يذهب معك .. يجعلك تصبرعلى أمر الدنيا) بمعنى أنه أي هم أو مصيبة تصيب الإنسان هو لم يأتي بها وبعد إنقضاء أجله لن تذهب معه فلما الحزن والألم إذًا على أمور بيد الله وحده . فعلينا الإيمان به والتوكّل عليه حق التوكّل وليس التواكل والكسل وترك العمل بما يجب علينا فعله ..
خالص التحايا
وفي أمان الله